لا تنفرد أمريكا وأوروبا بخشيتهما حيال التهديد التنافسي الذي تمثله التقنية النظيفة الصينية، بل إن الصين بحد ذاتها متخوفة.
اقرأ أيضًا:
لقد كان مطورو طاقة الرياح والطاقة الشمسية في الصين وراء استحداث ما يزيد على 60% من إنتاج الطاقة المتجددة في العالم العام الماضي، ما أدى إلى اضطراب في سوقٍ لطالما هيمن عليها الفحم.
كان رد الفعل مشابهاً تقريباً لما حدث من دول أخرى تجابه استيراد الألواح الشمسية والمركبات الكهربائية من الصين: أي دفع الحكومة إلى زيادة الحواجز أمام المبادرين المحدثين، واحتضان الشركات القائمة المتضخمة.
كانت هذه الإجراءات فعالة بشكل ملحوظ. برغم تجاوز توليد الطاقة المتجددة لأكثر التوقعات تفاؤلاً، لم تُستبعد الطاقة الأحفورية في الصين. بل حافظ الفحم على مكانته إلى حد بعيد.
بناء أرخص من تشغيل
يكلّف بناء محطة طاقة رياح أو طاقة شمسية جديدة هذه الأيام أقل من شراء الفحم لتشغيل محطة طاقة حرارية قائمة، ناهيك عن جميع تكاليف رأس المال والتشغيل الأخرى. لكن بطريقة ما، وصل عدد محطات التوليد الجديدة العاملة على الفحم، التي بدأت الصين ببنائها العام الماضي، إلى أعلى مستوياتها منذ 2015، في وقت انعكست فيه العوامل الاقتصادية الأساسية للطاقة الأحفورية والمتجددة.
ما الذي يحدث؟ أفضل تفسير هو أن اللوائح التنظيمية حمت الكهرباء الحرارية من تقلبات السوق الحرة، بينما يُتوقع باضطراد أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ستُتركان لتعتمدا على قواهما الذاتية للنهوض.
ومنذ أثارت انقطاعات متكررة في التيار الكهربائي في 2021 قلق بكين، وُضعت قواعد للحفاظ على الفحم في حالة جيدة. فقد أُمرت شركات توليد الكهرباء بالتحول إلى عقود طويلة الأجل، تؤثر إيجابياً على إيرادات شركات الفحم لسنوات مقدماً. بعبارة أخرى، ففي حال توجب عليك دفع ثمن الكهرباء المولدة عبر الوقود الأحفوري على أي حال، فمن الأفضل أن تحصل عليها، حتى إن توفرت مصادر طاقة متجددة أرخص.
يمكن ملاحظة هذا التحول من خلال الاطلاع على البيانات المالية لشركة ”تشاينا شينهوا إنرجي“ (China Shenhua Energy)، أكبر شركة لتعدين الفحم في البلاد. فقد ارتفعت الحصة المبيعة بموجب عقود سنوية بأكثر من 10 نقاط مئوية منذ 2021.
خذ مالاً لتبقى متأهباً
ثم هناك مدفوعات القدرة الإنتاجية، وهي سمة شائعة في عديد من الأسواق التي تشهد تحولاً سريعاً نحو مصادر الطاقة المتجددة، وهي تُعوّض شركات توليد الطاقة عن إبقاء محطاتها التي تعمل بالوقود الأحفوري في وضع الاستعداد، وجاهزة للتشغيل، لتغطية النقص في طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وكما هو الحال مع العقود طويلة الأجل، فهي وسيلة لضمان الإيرادات.
تتميز هذه المدفوعات بسخاء خاص في الصين. تمكنت محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم من استرداد 30% من تكاليفها الرأسمالية منذ العام الماضي من خلال هذه المدفوعات، وهي تُسترد من خلال ضريبة على فواتير الزبائن. سترتفع هذه النسبة إلى 50% اعتباراً من العام المقبل.
مرة أخرى تجلت آثار ذلك في البيانات المالية للشركات. تمكنت “هوانينج باور إنترناشونال”، أكبر شركة توليد كهرباء مُدرجة في بورصة الصين، من رفع رسوم الكهرباء 14% منذ 2021، حتى مع انخفاض نسبة توليدها من المصدر الأحفورية.
كنتيجة لذلك، ارتفع هامش ربحها من تكاليفها غير المرتبطة بالوقود إلى 47% مقارنةً مع 31% في 2021. ببساطة، أصبح حرق الفحم أكثر ربحيةً مما كان عليه قبل أربع سنوات، برغم توافر بدائل أرخص وأنظف.
إلغاء دعم الطاقة المتجددة
في الوقت نفسه، تنكشف مصادر الطاقة المتجددة على قوى السوق برمتها. فقد أُلغي الدعم لطاقة الرياح والطاقة الشمسية في 2021، ما سمح للمطورين بالحصول على نفس الأسعار التي يحصل عليها منتجو الكهرباء من الفحم.
لم يكن ذلك كافياً لإعاقة التحول في مجال الطاقة، لكن الخطة الأخيرة التي أُعلن عنها الشهر الماضي تزيد الضغط أكثر. هذه المرة، ستُجبر مشاريع الطاقة المتجددة الجديدة على الدخول في مزادات عكسية كالتي تعمد إليها أوروبا والولايات المتحدة والهند، بحيث تكون الأسعار دائماً أقل من السعر القياسي للكهرباء المولدة من الفحم.
يُتوقع أن تصب تكاليف الطاقة المتجددة الأرخص بكثير لمصلحتها في السوق الحرة. لكن هذا ليس ما يحدث هنا. بدلاً من ذلك، ستتعرض هذه المشاريع نفسها لتقلبات الشبكة الكهربائية الشديدة، بينما تتمتع شركات الكهرباء العاملة بالفحم المنافسة بأسعار تقررها الحكومة.
قد تكون نتائج أحدث القواعد قاسية. إذ يكاد يكون محتوماً تراجع الإنشاءات الجديدة لمرافق الطاقة المتجددة هذا العام، كما يقول ديفيد فيشمان، المحلل في مجموعة “لانتاو” الاستشارية.
تتوقع جمعية صناعة الطاقة الكهروضوئية الصينية انخفاضاً في تركيبات الطاقة الشمسية بنسبة تصل إلى 23%، وفي أسوأ الأحوال، لن تتعافى إلى مستوى العام الماضي حتى 2029.
وتعتقد “بلومبرج إن إي إف” أن المشاريع القائمة ستحافظ على استقرارها هذا العام، قبل أن تشهد تباطؤاً حاداً: فتلك المشاريع تتوقع الآن معدل نمو مركب قدره 3% للنصف الثاني من هذا العقد، وهو تباطؤ حاد عن معدل 30% المسجل منذ 2020.
يأتي التفاؤل حيال التحول في مجال الطاقة من حيث إن انخفاض تكاليف الطاقة النظيفة بشكل كبير سيضمن فوزها دائماً. أما التشاؤم فمردّه أن الشركات القائمة لديها قدرة ملحوظة على ضبط قواعد اللعبة لصالحها.
اقرأ أيضًا:
نحن على وشك أن نشهد اختباراً يظهر فيه الطرف الغالب في شبكة كهرباء مسؤولاً عن حوالي 15% من انبعاثات الكوكب بأكمله. الاحتمالات مقلقة. فحتى أقوى لاعب في الفريق سينهار في النهاية، إن راكمت عليه ما يكفي من الأعباء.