قلل عدد من المستثمرين المصريين، من تأثير خفض الفائدة الأخير في مصر على أعمالهم في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة وارتفاع أسعار الفائدة الأساسية، إذ يروا أن نسبة الخفض المعلنة لا تتناسب مع طموحاتهم ولا تمثل حافزاً كافياً لتحسين أوضاع أعمالهم.
اقرأ أيضًا:
وزير الاتصالات: إطلاق خدمات الجيل الخامس خلال النصف الأول من العام الجاري
في المقابل، يرى بعضهم أن الخفض خطوة إيجابية لقطاعات مثل العقارات والتمويل الاستهلاكي، حيث قد يساهم في تخفيف تكلفة الاقتراض وتحفيز النشاط.
خفض البنك المركزي المصري، خلال اجتماع لجنة السياسات النقدية الثاني لهذا العام، أسعار الفائدة لأول مرة منذ أكثر من 4 سنوات من أعلى مستوى تاريخي لها، بواقع 225 نقطة أساس، ليصل سعرا عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي إلى 25% و26% و25.5%، على الترتيب.
دائماً ما تشكل أسعار الفائدة المرتفعة عائقاً أمام ضخ رجال الأعمال استثمارات جديدة، في وقتٍ تسابق البلاد الزمن لتشجيع القطاع الخاص وتحفيزه لقيادة التنمية، في محاولة لتجنب تكرار أزمة شُح الدولار التي عانت منها البلاد آخر سنتين قبل أن يجري حلها منذ تحرير سعر الصرف في مارس 2024.
أسعار الفائدة مرتفعة
وقال أحمد بدر الدين رئيس مجلس إدارة مجموعة مستشفيات كليوباترا، والشريك المؤسس لمنصة “آر إم بي في” للملكية الخاصة: “من غير المرجح أن يُحدث خفض أسعار الفائدة في مصر مؤخراً تأثيراً ملموساً، نظراً لارتفاع أسعار الفائدة بالأساس”.
وأضاف في حديثه لـ”الشرق”: “يجد البنك المركزي نفسه في موقف حرج، إذ يسعى جاهداً لتحقيق التوازن بين كبح التضخم، والحفاظ على استقرار العملة، ودعم النمو”.
تسارع معدل التضخم في مدن مصر خلال مارس الماضي، ليبلغ 13.6% على أساس سنوي مقابل 12.8% في فبراير، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادرة مطلع أبريل الجاري.
بالرغم من أن خفض الفائدة كان متواضعاً، إلا أنه يشير إلى هناك تفاؤل حذر، ومع استمرار ترسيخ الإصلاحات الكلية والحفاظ على مصداقية السياسات، سيصبح مناخ الاستثمار في مصر أكثر جاذبية تدريجياً، بحسب بدر الدين.
خفض متواصل للفائدة
تصريحات رئيس مستشفيات كليوباترا تتوافق مع ما قاله طارق زكي، مدير عام شركة “ترافكو” للسياحة، حيث يرى أن نسبة الخفض البالغة 2.25% ضئيلة ولن يكون لها تأثيراً ملموساً على الشركات، مشيراً إلى أن أقل نسبة خفض مطلوبة حتى يتسنى للشركات الإقبال على الاقتراض والتوسع في تنفيذ مشروعاتها هي 5%، وأضاف: “ومن ثم قد لا ينتعش الاقتصاد كثيراً من هذه النسبة، ونظل بانتظار قرارات خفض متتالية أخرى”.
انكمش النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص غير النفطي في مصر خلال مارس الماضي، وفق بيانات مؤشر مديري المشتريات الصادر عن “إس آند بي غلوبال”، عقب توسعه في يناير وفبراير. وتراجع المؤشر إلى 49.2 نقطة، منخفضاً من 50.1 في فبراير، ليهبط دون مستوى 50 نقطة الفاصل بين التوسع والانكماش، في إشارة إلى تباطؤ محدود في أوضاع التشغيل، مسجلاً أدنى قراءة منذ ثلاثة أشهر.
ويري عمرو أبو عيش، الرئيس التنفيذي لشركة مسيرة القابضة، أن خفض سعر الفائدة وإن كان ايجابياً على الاقتصاد، إلا أن الأهم بالنسبة للمستثمرين ورجال الأعمال هو معايير الخفض وتسلسل التحركات القادمة.
وأضاف في حديثه مع “الشرق” أن مجتمع الأعمال بحاجة إلى مزيد من المؤشرات لبناء توقع يتم على أساسه تنظيم التمويلات المستقبلية وأية قرارات أخرى، لذا فإن الخفض لمرة واحدة غير كافٍ لاتخاذ أية ردود أفعال أو حدوث تأثيرات ملموسة.
تستمر الحكومة المصرية في تقييد الإنفاق العام على المشاريع لإفساح المجال أمام القطاع الخاص، وهو ما ظهر أثره في زيادة مساهمة الاستثمارات الخاصة في نمو الناتج المحلي الإجمالي، بحسب ما ذكرته رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي المصرية في مقابلة مع “الشرق” مارس الماضي.
كما تستهدف البلاد نمو اقتصادها بمعدل 4.5% في العام المالي القادم، بحسب الوزيرة.
خفض كلفة التمويل
وقال حسام حسين الرئيس التنفيذي للقطاعات المالية بمجموعة راية القابضة للاستثمارات المالية، إن خفض أسعار الفائدة بواقع 2.25% من قبل البنك المركزي المصري من شأنه أن يكون خطوة أولية لسلسة تخفيضات يشهدها العام الجاري قد تصل وفق تقديراتنا إلى نحو 600 نقطة أساس خلال 2025.
أضاف حسين لـ”الشرق”: “الخفض كان ضرورياً لضمان نشاط عجلة الاقتصاد المصري، حتى لا يحدث مزيد من التأثر في القوى الشرائية نتيجة ارتفاع أسعار السلع”. مشيراً إلى أن تأثير القرار سيكون إيجابياً على تخفيض تكلفة التمويل للشركات، لأن تكلفة التمويل من إحدى العوامل الهامة التي تحدد أسعار المنتج والخامات.
وأوضح أن إجمالي القروض لشركة راية القابضة يصل إلى 14 مليار جنيه، ومن شأن كل 1% خفض في أسعار الفائدة أن يخفض فوائد التمويل للشركة بنحو 140 مليون جنيه بالعام.
ويُعد القطاع العقاري من أكبر المستفيدين من قرار خفض الفائدة نظراً لاعتماده علي البيع بآجال سداد طويلة، بحسب الملياردير المصري ياسين منصور رئيس شركة “بالم هيلز للتعمير”، الذي اعتبر أن القرار خطوة جيدة ضمن خطوات عديدة ينتظرها السوق في الفترة المقبلة.
أضاف لـ”الشرق” أنه في ضوء اتجاه معدل التضخم للهبوط، فمن المتوقع أن تتراجع الفائدة في مصر إلى 20% بنهاية العام الجاري، وفي هذه الحالة قد تلجأ الشركة إلى التوريق كأحد آليات التمويل التي أجلتها منذ عامين بسبب الفائدة المرتفعة.
انتعاش التمويل الاستهلاكي
ويري وليد حسونة، الرئيس التنفيذي لشركة “ڤاليو” المصرية للتمويل الاستهلاكي التابعة لمجموعة “إي إف جي القابضة”، أن خفض الفائدة يُعد أمراً إيجابياً، إذ يشجع على الاستثمار، إلى جانب تأثيره النفسي في تحسين الحالة المعنوية للمناخ الاقتصادي.
وأضاف حسونة لـ”الشرق” أن خفض الفائدة سيقلل من تكلفة المحفظة القائمة لشركته، وبالتالي “سنعوض جزءاً من الخسائر التي تكبدناها وقت الرفع الكبير للفائدة”، مشيراً إلى أن تقليص الفائدة سيساعد على جذب عدد أكبر من العملاء وزيادة حجم التمويلات.
اقرأ أيضًا:
المشاط: مصر سوقٌ واعدة ومستقرة رغم الاضطرابات الإقليمية والدولية
اتفق معه في الرأي، محمد نجم، العضو المنتدب لشركة العربية لحليج الأقطان، مشيراً إلى أن خفض أسعار الفائدة سينعكس إيجابياً على قطاع الصناعة، نظراً لاعتماد جزء كبير من رأس المال العامل في هذا القطاع على التمويلات البنكية.
أضاف نجم لـ”الشرق”: “مع كل خفض في الفائدة، تتوسع الشركات في إضافة خطوط إنتاج جديدة، مما يُسهم في زيادة معدلات التوظيف ودعم النمو الاقتصادي”.