يُعدّ التغير المناخي من أكبر التحديات التي تهدد كوكب الأرض، في ظلّ تحذيرات متزايدة من تداعياته الكارثية في حال فشل العالم في كبح ارتفاع درجات الحرارة. ولعلّ أخطرها ذوبان الجليد وارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات. إذ تشير تقديرات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) إلى احتمال ارتفاع مستوى سطح البحر بين 0.29 و1.10 متر بحلول عام 2100، فيما تحذر دراسات أخرى من أن هذا الارتفاع قد يقارب المترين.
اقرأ أيضًا:
في العالم العربي، تهدد هذه المخاطر مدناً ساحلية كبرى تمتد على سواحل البحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي وبحر العرب، وسط تصاعد التهديدات المرتبطة بالفيضانات وتآكل السواحل وتسرّب المياه المالحة. وتنعكس هذه الظواهر سلباً على البنى التحتية وقطاعات حيوية مثل الإسكان والنقل والسياحة والزراعة، ما يضع المجتمعات المحلية والاقتصادات الإقليمية أمام اختبارات غير مسبوقة.
1) كيف تهدد تغيرات المناخ المدن العربية الساحلية؟
على امتداد العالم العربي، يعيش ملايين السكان في مدن ساحلية تشهد توسعاً عمرانياً متسارعاً، لكنها تواجه في الوقت ذاته مخاطر متصاعدة بفعل الفيضانات، ما يهدد أمنهم السكني ويقوّض البنية التحتية ويضع سبل العيش في دائرة الخطر.
وفي مصر بالتحديد، تُعدّ دلتا النيل من أكثر المناطق هشاشة، إذ تضم نحو ربع سكان البلاد وتواجه تهديداً مزدوجاً بسبب ارتفاع مستوى البحر وهبوط الأراضي. وفي الإسكندرية، كشفت دراسة لجامعة ميونيخ التقنية بالتعاون مع جامعة جنوب كاليفورنيا نُشرت في فبراير الماضي عن ارتفاع معدل انهيار المباني من حالة واحدة سنوياً إلى نحو 40 حالة، بفعل تآكل الأساسات الناتج عن تسرب المياه المالحة، فيما قدرت أن 7 آلاف مبنى آخر في دائرة الخطر.
2) ماذا عن الخليج؟
في العراق، تُعدّ مدينة البصرة أكثر المناطق عرضة للخطر لوقوعها على علو منخفض عند شطّ العرب المرتبط بالخليج العربي. وتتقاطع هذه الأزمة المناخية مع مشكلات مزمنة كشح الأمطار، وتسرّب الملوحة إلى خزانات المياه الجوفية وتدهور الأراضي الزراعية.
وفي باقي دول الخليج، يتركز معظم السكان في مدن ساحلية، معرضة في حال استمرار ارتفاع درجات الحرارة لمخاطر الغمر البحري وتآكل السواحل والفيضانات. وتُعد البحرين من أكثر دول الخليج عرضة للخطر، حيث تشير دراسات إلى أن ارتفاع مستوى البحر بين نصف متر إلى مترين يمكن أن يغرق ما بين خمسة إلى 18 بالمئة من إجمالي مساحة المملكة.
وكان التقرير الوطني الرابع للمملكة العربية السعودية المقدم إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) أشار إلى دراسة حول هشاشة سواحل البحر الأحمر في السعودية أمام تغيّر المناخ، خلصت إلى أن ثلاث مدن ساحلية رئيسية –وهي الوجه وجدة وجازان– تُعد من أكثر المدن السعودية عرضة لخطر ارتفاع مستوى سطح البحر.
وتهدد الظواهر الطبيعية المرتبطة بارتفاع منسوب البحار بتعطيل الخدمات وزيادة كلفة التخطيط العمراني والتأمين وتعميق الضغوط الاقتصادية، وقد تتسبب بحركات نزوح واسعة من المناطق الواقعة في دائرة الخطر.
3) ما تأثير ارتفاع البحر على الموانئ والسياحة والزراعة؟
يشكّل ارتفاع مستوى سطح البحر تهديداً متصاعداً للدول العربية، يمتد ليطال المواقع الأثرية الساحلية المعرضة لخطر التآكل والغمر. وتشير دراسات علمية إلى أن العديد من المواقع التاريخية في شمال أفريقيا وشرق المتوسط مهددة بفيضانات وتآكل ساحلي متزايد بحلول عام 2100، ما من شأنه أن يُفقد العديد من الوجهات الساحلية جاذبيتها السياحية بفعل تآكل الشواطئ وتضرر المعالم الطبيعية والتراثية.
وتمتد التداعيات إلى قطاعات اقتصادية حيوية، في مقدّمتها الموانئ، التي تواجه خطر التوقف الجزئي أو الكلي نتيجة تكرار الفيضانات وارتفاع منسوب المياه، ما يهدد انسيابية حركة التجارة، كما أن ارتفاع مستوى البحار قد يتسبب في تعطيل شحنات النفط، ويؤثر في الأمن اللوجستي وسلاسل الإمداد العالمية.
وعلى صعيد الزراعة، يؤدي تسرب الملوحة الناتج عن تغلغل مياه البحر إلى تدهور التربة وتراجع إنتاجية الأراضي الزراعية، ما يفاقم تحديات الأمن الغذائي في عدد من الدول.
ومع تصاعد هذه التحديات مجتمعة، تجد الاقتصادات العربية نفسها أمام أعباء متنامية تستدعي تسريع الاستثمارات في البنية التحتية وتعزيز برامج التكيّف المناخي، لضمان قدرة المدن والسكان على الصمود في وجه الواقع المناخي المتغيّر.
4) هل هناك خطط للتكيف مع التغير المناخي؟
تبنّت الدول العربية مبادرات متعددة للتكيّف مع ارتفاع مستوى سطح البحر، تضمنت خططاً واستراتيجيات وطنية لحماية السواحل والبنى التحتية. في الخليج مثلاً، أطلقت الإمارات “استراتيجية أبوظبي للمناخ”، واعتمدت السعودية “مبادرة السعودية الخضراء”.
اقرأ أيضًا:
دينا حبيب في حوارها لـ”استدامة”: القطاع العقاري يلعب دورًا رئيسيًا في التحول لمجتمع مستدام
من جهتها، تبنت الكويت “خطة التكيف الوطنية”، ووضعت قطر خطة للإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية، وبدأت البحرين العمل على خطة دفاعية في مواجهة الظواهر المناخية. وقد أتاح الدعم المالي والتقني لهذه الدول الشروع في مشاريع وقائية فعّالة. في المقابل، تواجه دول أخرى تحديات على صعيد التمويل والتنفيذ، ما يحدّ من فعالية خططها رغم أهميتها، ويبرز الحاجة إلى دعم دولي لتسريع التكيّف في البلدان الأقل جاهزية.
كما أطلقت مصر عدة مبادرات للتصدي لارتفاع منسوب البحر، أبرزها مشروعات حماية الشواطئ وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050.
وعلى الرغم من أهمية إجراءات التكيّف، يبقى التصدي الجذري لتغيّر المناخ رهناً بخفض الانبعاثات وتعزيز التحوّل نحو اقتصاد منخفض الكربون على مستوى العالم.
