تعمل السعودية على تعزيز تعاونها مع منتجي النفط، خصوصاً بعدما توصل تحالف “أوبك+” إلى اتفاق لتمديد تخفيضات الإنتاج، يتضمن أيضاً إزالة بعض القيود تدريجياً.
اقرأ أيضا:
وتخطط المملكة لبحث ملف الطاقة مع فنزويلا خصوصاً، إذ أفادت وكالة الأنباء السعودية بأن مجلس الوزراء فوّض وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان أو من ينيبه، للتباحث مع الجانب الفنزويلي بشأن مشروع مذكرة تفاهم بين حكومة المملكة وفنزويلا، للتعاون في مجال الطاقة، والتوقيع عليه.
ورغم أن الوكالة لم تقدم أي تفصيل بشأن هذه المذكرة وطبيعتها، إلا أنها تحمل الكثير من الدلالات الرئيسية، خصوصاً في التوقيت الحالي.
عقب شهر من هذا التصريح، توصلت الدول الأعضاء في “أوبك” إلى اتفاق لخفض إجمالي الإنتاج بـ1.2 مليون برميل يومياً، كما تم تأسيس “أوبك+” في 30 نوفمبر من ذلك العام.
مسيرة مستمرة
بعد 8 سنوات من الإعلان التاريخي، توصل تحالف “أوبك+” إلى اتفاق لتمديد تخفيضات الإنتاج الحالية حتى نهاية 2025، والبدء التدريجي بتخفيف بعض القيود على التخفيضات الطوعية بحلول نهاية السنة الجارية.
يساعد هذا الاتفاق على استقرار الأسعار والأسواق، خصوصاً في ظل العديد من التحديات التي تواجه هذه الصناعة في الوقت الحالي، والتي تُعتبر أكثر حدة من تحديات عام 2016 التي شهدت تأسيس التحالف.
ورغم أن فنزويلا معفية من تخفيضات الإنتاج، إلا أن استقرار السوق والأسعار المرتفعة يساهمان في دعم ميزانية البلاد، وإعادة الحياة إلى صناعة النفط المتضررة.
العقوبات التي فُرضت على نظام مادورو عام 2015 أدت إلى انهيار قطاع النفط وانسحاب العديد من الشركات الأجنبية من البلاد، وهبطت بإنتاج أكبر دولة من جهة الاحتياطيات النفطية والتي كانت من الدول المؤثرة في صناعة النفط، من نحو 3.2 مليون برميل يومياً، إلى بضعة آلاف من البراميل.
تتركز العلاقات بين الدولتين على صناعة النفط بشكل رئيسي، إذ كانت الدولتان من الأعضاء الخمسة المؤسسين لمجموعة الدول المصدرة للبترول “أوبك” عام 1960، والتي أُنشئت آنذاك بهدف خلق تكتل لمواجهة شركات النفط الكبرى.
توسعت المجموعة بعد ذلك لتصبح حالياً مكونة من 12 دولة، وعمقت تحالفاتها مع الدول المنتجة للنفط من خارجها، ليظهر ما بات يُعرف باسم تحالف “أوبك+” الذي يضم الآن 22 دولة.
تعاون نفطي
تتشارك فنزويلا والسعودية برؤيتهما تجاه سوق النفط، إذ تريدان رؤية سوق نفطية مستقرة بأسعار مريحة للمنتجين كما للمستهلكين، فكراكاس تريد الحصول على عائدات نفطية لإعادة بناء القطاع الذي تضرر من العقوبات الغربية، بينما تعمل الرياض على تنويع اقتصادها وتعزيز مصادر الدخل، وتستخدم أموال النفط في تمويل المشاريع والقطاعات غير النفطية التي تصب في تحقيق هذا الهدف.
هذه الرؤية لا تعود إلى ظروف السوق الحالية، ففي أكتوبر 2016، وتحديداً مع زيارة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إلى المملكة، أشار سفير فنزويلا لدى الرياض آنذاك خوسيبا أتشوتيغي، إلى ضرورة “اعتماد سعر عادل ومتوازن للنفط، ما يصب في مصلحة جميع الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء”.
السفير أشار في مقابلة مع صحيفة “الشرق الأوسط” حينها، إلى أن “الأسعار المنخفضة لا تسمح بافتتاح آبار جديدة أو القيام بأعمال الصيانة من بين نتائج أخرى، وهو الأمر الذي سيؤثر على المديين المتوسط والبعيد على العرض والتزويد المستقر للنفط، مسبباً بذلك اختلالات خطيرة”.
عقب شهر من هذا التصريح، توصلت الدول الأعضاء في “أوبك” إلى اتفاق لخفض إجمالي الإنتاج بـ1.2 مليون برميل يومياً، كما تم تأسيس “أوبك+” في 30 نوفمبر من ذلك العام.
عوامل أخرى
بالتوازي مع ذلك، تشهد سوق النفط العالمية بعض التحديات الجديدة. أبرز هذه التحديات تتمثل في زيادة حجم الإنتاج من دول خارج تحالف “أوبك+”، ومنها غيانا التي انتقلت من دولة غير نفطية قبل 3 سنوات، إلى ضخ 637 ألف برميل في 31 يناير، أي بمعدلات أعلى من جارتها فنزويلا، في حين يتوقع أن يرتفع الإنتاج إلى مليون برميل بنهاية العقد الحالي.
تتنازع فنزويلا وغيانا على منطقة “إيسيكويبو” منذ ما يناهز قرناً من الزمان، لكن التوترات تصاعدت بعد اكتشاف أحواض نفط ضخمة في السنوات الأخيرة قبالة ساحل غيانا. وشهدت البلاد تدفقاً لاستثمارات الشركات بما في ذلك شركة “إكسون موبيل”.
إضافةً لذلك، فإن الولايات المتحدة وفي إطار سعيها لخفض أسعار النفط قبيل الانتخابات لما لها من تأثير على عمليات التصويت، باتت أكثر عرضة لـ”غض البصر” عن إنتاج دول معاقبة مثل فنزويلا وإيران، خصوصاً مع فرضها جولات متتالية من العقوبات على روسيا. هذا الأمر ظهر جلياً من خلال السماح لشركات نفطية من بينها “شيفرون” باستئناف الحفر في حقول فنزويلا النفطية، والعديد من التقارير التي تفيد بذلك.
علّقت الولايات المتحدة في أكتوبر الماضي بعض العقوبات المفروضة على قطاعات النفط والغاز والذهب في فنزويلا، ولكنها ألغت الإعفاء من هذه العقوبات في وقت لاحق من السنة الجارية.
أسعار النفط ليست السبب الوحيد الذي يدفع الإدارة الأميركية إلى “غض البصر” عن الإنتاج النفطي، إذ تشعر إدارة بايدن بالقلق من أن إلغاء الترخيص قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في فنزويلا، ثاني أكبر مصدر للمهاجرين غير الشرعيين على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك العام الماضي. وتُعد الهجرة قضية رئيسية بالنسبة لبايدن في سباق الانتخابات ضد الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب.
اقرأ أيضا:
وزيرة البيئة تزور مصنع زيرو كاربون لتدوير المخلفات بالإسماعيلية
والحال، أن أي مذكرة تفاهم ستُوقع بين السعودية وفنزويلا، من شأنها أن تصب بشكل رئيس في إطار تعزيز أدوات الدول المنتجة للنفط في مواجهة الظروف الخارجية التي تعصف بالسوق، وفي مقدمتها الإنتاج من خارج هذه الدول، ما قد يؤدي إلى تعزيز قدرة الدول المنتجة في المحافظة على استقرار السوق.
كما أن القطاع النفطي الفنزويلي يمكن أن يشكل فرصة استثمارية للسعودية التي تسعى إلى زيادة مصادر دخلها النفطية وغير النفطية. وفي عام 2021، أظهرت وثيقة اطلعت عليها “رويترز” أن شركة النفط الوطنية المملوكة للدولة في فنزويلا تحتاج استثمارات بقيمة 58 مليار دولار لإعادة إنتاجها من الخام إلى مستويات 1998، أو ما يعادل 3.4 مليون برميل يومياً، ومن المؤكد أن هذا الرقم تعاظم خلال العامين الماضيين، ما يخلق الكثير من الفرص المستقبلية، خصوصاً في ظل توقعات تزايد الطلب على النفط الخام مستقبلاً.