شهدت سوق الذهب في مصر ارتفاعاً ملحوظاً في الأسعار خلال الفترة الحالية، لأسباب عدة من بينها نقص المعروض، واتجاه بعض التجار للتصدير، بحسب 5 متعاملين في السوق تحدثوا مع “الشرق”.
اقرأ أيضًا:
الأهلي صبور يرسم تجربة شاملة وجديدة لقضاء الصيف في الساحل الشمالي
إذ يجد الشاب المصري محمد عبداللطيف صعوبة في شراء “الشبكة” بسبب الأسعار المرتفعة، والمصنعية الكبيرة (كلفة صناعة الذهب المضافة على سعر الغرام) التي تصل إلى 200 جنيه للغرام الواحد، فضلاً عن قلة المعروض من المشغولات الذهبية الجديدة.
قفز سعر جرام الذهب عيار 21 الأكثر شعبية في مصر، 8% منذ بداية أغسطس الجاري، وبأكثر من 61% خلال 12 شهراً، ليسجل 3500 جنيه (ما يعادل 71.65 دولار)، وفقاً لمتعاملين في السوق، في حين يقترب سعر “الجنيه الذهب” من 28 ألف جنيه.
أما عالمياً، فارتفع سعر الذهب 19% هذا العام، ووصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 2483.73 دولار الشهر الماضي. والخميس الماضي، استقر سعر الذهب الفوري عند 2447.96 دولار خلال التعاملات في لندن.
رغم ارتباط تسعير الذهب في مصر بعوامل عالمية ومحلية واضحة على غرار سعر الصرف وسعر الذهب العالمي والعرض والطلب، إلا أن أسعاره في السوق تشهد ارتفاعاً غير مبرر وغير متناسب مع هذه العوامل. وتفيد بيانات صادرة عن “مجلس الذهب العالمي”، بأن مشتريات المصريين من السبائك الذهبية انخفضت خلال النصف الأول من السنة بنحو 31%، مسجلة 12.8 طن.
عزا رئيس الشعبة العامة للمشغولات الذهبية باتحاد الغرف التجارية هاني ميلاد في تصريح لـ”الشرق”، زيادة الأسعار إلى الإقبال الكبير على شراء الذهب، الذي يصنف كملاذ آمن عند وجود أزمات، بعد الانخفاض في سعر صرف الجنيه أمام الدولار بداية الشهر الجاري.
ميلاد توقع أن تواصل أسعار المعدن الأصفر الارتفاع خلال العام المقبل، ولكنه أشار إلى أنها لن تصل إلى المستويات القياسية المسجلة بداية العام الجاري، عند 4050 جنيهاً للغرام من عيار 21.
من جهته، أشار مسؤول حكومي تحدث لـ”الشرق” شرط عدم نشر اسمه، إلى أن الأسعار في الأيام الماضية ارتفعت نتيجة زيادة الطلب الناتج عن القلق من الانهيار الذي أصاب الأسواق المالية العالمية والمحلية الأسبوع الماضي، كما أثر انخفاض سعر صرف الجنيه على معنويات السوق، وسط “مخاوف من استمرار صعود الدولار نتيجة شائعات انتشرت بشأن احتمالية حدوث تعويم جديد”.
أما نادي نجيب، أحد تجار المعدن النفيس في شرق القاهرة، فيؤكد في حديثه لـ”الشرق”، أن المواطنين اتجهوا لشراء المعدن النفيس مؤخراً كأداة تحوط، بسبب مخاوفهم من الأحداث العالمية الاقتصادية والسياسية الأخيرة، مضيفاً أن “البعض يتجه حالياً إلى تصدير المشغولات الذهبية إلى الخارج”.
تأثير مبادرة الإعفاء الجمركي
ارتفاع أسعار الذهب في الأيام الماضية لم يكن استثناءً في مصر، إذ واصلت الأسعار ارتفاعها خلال العام الماضي بسبب وجود اختلاف في أسعار الصرف بين السعر الرسمي والسوق الموازية، وذلك قبل خفض قيمة الجنيه في مارس الماضي.
ومع هذا الارتفاع، أصدر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في مايو 2023، قراراً بإعفاء واردات الذهب الخاصة بالمصريين العائدين من الخارج من الضريبة الجمركية والرسوم الأخرى لمدة 6 أشهر، ثم تم تمديدها حتى مايو الماضي.
هذه المبادرة “أحدثت تغييراً كبيراً” في السوق بحسب ميلاد، إذ ساهمت في “انخفاض المعروض في السوق المصرية”. وأضاف أن إنهاء العمل في المبادرة جاء متزامناً مع انخفاض أسعار الذهب في مصر، “ما فتح الباب أمام تصدير الذهب للخارج”، كاشفاً أنه تم إخراج “أكثر من طن ذهب من مايو وحتى نهاية يوليو الماضي”.
تصريحات ميلاد تتفق مع كلام المسؤول الحكومي الذي أشار إلى أن “المصريين توقفوا عن جلب الذهب خلال زياراتهم لمصر منذ وقف العمل بمبادرة الإعفاء الجمركي”، موضحاً أن “إجمالي الرسوم على غرام الذهب خلال فترة المبادرة كانت 10 جنيهات، لترتفع حالياً إلى 371 جنيهاً عن كل غرام ذهب من الخارج”.
المسؤول الحكومي قال إن السوق “بحاجة لتجديد مبادرة الإعفاء الجمركي، بهدف زيادة المعروض أمام قوة الطلب في الوقت الراهن”، مشدداً على “ضرورة زيادة إنتاج السبائك الذهبية، وضخها في أسواق الصاغة”.
تشجيع الاستثمار
تخطط مصر لزيادة الاستثمارات في قطاع التعدين عموماً، وتشجع الشركات على ضخ استثمارات في هذا المجال. وخلال يوليو الماضي، تعهدت العديد من الشركات بضخ استثمارات في مجال البحث والتنقيب عن الذهب.
وسجل حجم إنتاج الذهب في مصر نحو 559 ألف أونصة خلال العام المالي 2023-2024، ويأتي أغلبه من منجم السكري في الصحراء الشرقية، بالإضافة إلى منجمي “حمش” و”إيقات”، إلى جانب شركة “شلاتين” للثروة المعدنية. وتستهدف وزارة البترول والثروة المعدنية الوصول بالإنتاج إلى 800 ألف أونصة بحلول عام 2030.
اقرأ أيضًا:
عاجل.. الحكومة تعلن الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين منخفض الكربون
زيادة الاستثمارات من شأنها رفع إنتاج مصر من الذهب، وهو ما قد يخفف من الضغوط على الأسعار بشكل عام، ولكن بالنسبة لعبداللطيف، فهو مضطر لشراء “الشبكة” بالأسعار المرتفعة نظراً إلى أنها شرط من شروط الزواج لدى غالبية العائلات في مصر، بغض النظر عن الأسعار. ولكن قد تكون حظوظ شباب آخرين مقبلين على الزواج أفضل من عبداللطيف في ما يتعلق بالأسعار، في حال انخفاضها محلياً أو عالمياً.