تعاني سوق العقود الآجلة للعملات الأجنبية في بنوك مصر ركوداً ملحوظاً بعد مرور ثلاث سنوات على دعوة البنك المركزي لتفعيلها والترويج لها، وفقاً لسبعة مصرفيين تحدثوا إلى “الشرق”.
اقرأ أيضًا:
يرى مصرفيون أن عدم انتشار هذه العقود في مصر يرجع إلى عدة عوامل، أبرزها وفرة الدولار في السوق حالياً، مما يقلل الحاجة إلى التحوط ضد تقلبات سعر الصرف، إلى جانب ارتفاع تكلفة العقود الآجلة مقارنة مع السعر الفوري، وهو ما يجعل العملاء يترددون في اللجوء إليها. كما أن غياب سوق حقيقية لهذه العقود، نتيجة لقلة عدد البنوك التي تمتلك الخبرة الكافية في تنفيذها، يشكل عائقاً أمام انتشارها، فضلاً عن نقص الوعي بين العملاء بشأن آلية عملها وفوائدها.
وفي أكتوبر 2022، سمح البنك المركزي المصري للبنوك بإجراء عمليات الصرف الآجلة (FX Forwards) للعملاء من الشركات، بشرط استخدامها فقط لتغطية مراكز العملاء الناتجة عن العمليات التجارية، مثل الاعتمادات المستندية، ومستندات التحصيل، وتسهيلات الموردين، وتحويل أرباح المستثمرين الأجانب، وحصائل التصدير السلعي والخدمي.
ويرى محمد عبد العال، الخبير المصرفي، خلال حديثه مع “الشرق” أن سوق العقود الآجلة للدولار تحتاج إلى تطوير الهياكل الفنية والتكنولوجية والفنية والكوادر المؤهلة، إلى جانب توسيع حدود التعاملات الداخلية بين البنوك المصرية والمراسلين لكافة العملات لتغطية مخاطر العملة مستقبلياً.
وبحسب عبد العال فإن الكوادر في إدارات الخزانة بالبنوك بعضها غير مؤهل لتنفيذ العقود الآجلة، فهي تحتاج إلى خبرة في التنفيذ.
واتفقت سهر الدماطي، نائبة رئيس بنك مصر سابقاً، مع رأي عبد العال حول عدم توافر الكوادر المؤهلة بالبنوك لتنفيذ العقود الآجلة وغياب وعي العملاء بأهميتها، وارتفاع التكلفة على العميل.
ضعف الطلب قبل وبعد أزمة الدولار
رغم محاولات الترويج، ظل الطلب على العقود الآجلة ضعيفاً قبل أزمة الدولار وبعدها، وفقاً لما أكده رئيس تنفيذي لأحد البنوك الخاصة لـ “الشرق”، موضحاً أن البنوك لم تتمكن من تفعيل تلك العقود قبل تحرير سعر الصرف بسبب تفاقم أزمة العملة الأجنبية وغياب سوق واضحة لتداول الدولار. وبعد التحرير، أحجم العملاء عن إبرام العقود الآجلة لفترات زمنية محددة، نظراً لوفرة الدولار في السوق، وعدم رغبتهم في دفع العمولة المستحقة لتأمين العملة عند سعر معين.
وفي السياق نفسه، أشار رئيس أحد البنوك الإقليمية في مصر إلى أن العزوف عن هذه العقود يرجع إلى الفارق الكبير بين السعر الفوري وسعر العقود الآجلة، حيث يتم تسعير الدولار في العقود الآجلة عند 59 جنيهاً، في حين أن سعره الفوري أقل من 51 جنيهاً، وهو ما يجعل هذه العقود أقل جاذبية للمستثمرين.
وأوضح لـ “الشرق” أن هذا الفارق ناتج عن آلية التسعير التي تعتمد على الفرق بين سعر الفائدة على الدولار، البالغ حالياً 4.5%، وسعر العائد على الجنيه المصري الذي يصل إلى 27.25%.
وبحسب محمد عبد العال فإن تكلفة تغطية الدولار في العقود الآجلة للعمليات التجارية لتمويل الاعتمادات المستندية لفترة زمنية لاحقة مرتفعة عن السوق الفوري للدولار لأن السعر النهائي للدولار في العقود المستقبلية يُحمل العميل تكلفة فرق سعر الفائدة بين الجنيه والدولار والمخاطر المتوقعة لتذبذب العملة.
المصارف غير مؤهلة للتعامل مع العقود الآجلة
أكد رئيس أحد البنوك الخاصة لـ “الشرق” أن المؤسسات المصرفية التي تتعامل مع العقود الآجلة في مصر قليلة للغاية، حيث تفتقر السوق إلى العدد الكافي من البنوك القادرة على تقديم هذه الخدمة بكفاءة، وربما لا يوجد سوى بنك أو اثنين فحسب.
وأكدت الدماطي أن تنفيذ العقود الآجلة يحتاج إلى وجود تعاملات بين البنوك المحلية والبنوك المراسلة بالخارج.
من جانبه، أوضح مسؤول للخزانة والمعاملات الدولية في أحد البنوك لـ “الشرق” أن غياب هذه العقود عن السوق لسنوات طويلة أدى إلى نقصٍ في الكوادر المصرفية المؤهلة للتعامل معها، مما يجعل من الصعب على كثير من البنوك إبرامها أو تقديمها كخدمة متكاملة لعملائها.
تخوف من الطرفين مع ارتفاع تسعير العقود الآجلة للدولار
أشار رئيس قطاع العمليات المصرفية في أحد البنوك الخاصة إلى أن ارتفاع تسعير العقود الآجلة للدولار وراء تراجع إقبال العملاء على تنفيذها بفعل زيادة المخاطر من عدم حصول العميل على ميزة تنافسية على بضاعته في حال تراجع سعر العملة عن المتفق عليه في العقود الآجلة.
“إذا انخفض الدولار عن السعر المتفق عليه في العقود الآجلة عند تنفيذ العقد فستكون تلك مشكلة للعميل لأنه اشترى بسعر مرتفع. نزول الدولار يُفقد العميل الميزة التنافسية على بضاعته. مصلحته الوحيدة هي أن يرتفع الدولار لتحقيق مكسب على بضاعته”، على حد قوله.
اقرأ أيضًا:
وأضاف أن موظفي الخزانة بالبنوك، على الجانب الآخر، يحاولون بشكل دائم رفع سعر الدولار في العقود الآجلة للتحوط من المخاطر المرتفعة التي قد يتحملها البنك عند ارتفاع سعر الدولار عن المتفق عليه مع العميل، فالتخوف لدى الطرفين العميل والبنك.