في وقت يشهد فيه الاقتصاد المصري تحديات متصاعدة وضغوطاً على العملة الأجنبية، لفتت التحويلات القياسية من المصريين العاملين في الخارج الأنظار مجدداً إلى هذا المصدر الحيوي للنقد الأجنبي.
وخلال الأشهر الماضية، قفزت قيمة التحويلات بشكل لافت، مدفوعة بتحسن سعر الصرف الرسمي وتوسيع القنوات البنكية، ما أتاح عودة تدريجية لهذه الأموال إلى المسارات الرسمية بعد سنوات من التراجع.
اقرأ أيضًا:
المالية: الإيرادات الضريبية زادت خلال 11 شهرًا بنسبة 36% بنحو 500 مليار جنيه إضافية
لكن هذا الزخم، ورغم أهميته في دعم الاحتياطي النقدي وتمويل واردات البلاد، يواجه عدة اختبارات في المرحلة المقبلة، أبرزها استمرار فجوة سعر الصرف، واستمرار السوق الموازية وإن كان بشكل محدود، إلى جانب التحديات العالمية المتعلقة باشتعال التوترات العسكرية والسياسية والحروب.
كم تبلغ تحويلات المصريين من الخارج العام المالي الحالي؟
بحسب بيان صادر عن البنك المركزي المصري في يونيو 2025، بلغت تحويلات المصريين بالخارج في الربع الأول من عام 2025 نحو 8.33 مليار دولار، مقارنة بـ5 مليارات دولار فقط في الفترة نفسها من عام 2024، أي بزيادة سنوية قدرها 84.4%، وهي الأعلى على الإطلاق لفترة فصلية في تاريخ البلاد.
كما أشار البيان إلى أن تحويلات الشهور التسعة الأولى من السنة المالية 2024/2025 وصلت إلى 26.4 مليار دولار، بمعدل نمو سنوي يقارب 83%، ما يعكس تغييراً جوهرياً في سلوك تحويل الأموال بعد تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية.
ما التأثير الذي ينعكس على الاقتصاد المصري من هذه التحويلات؟
تلعب هذه التحويلات دوراً محورياً في دعم الاقتصاد المصري وسط تحديات مالية متراكمة. وتبرز اليوم كأحد أهم روافد الاستقرار المالي في البلاد. فوصول الأموال إلى أسر المغتربين من المصريين يسهم في تحفيز الاستهلاك كما أنه يخفف عجز الحساب الجاري، حيث تشكل تحويلات المصريين بالخارج إحدى أهم خمسة مصادر للعملة الصعبة في مصر إلى جانب الصادرات وعائدات قناة السويس وإيرادات السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة.
كما تشكل هذه التحويلات نحو 5.85% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر في عام 2024، وفق تقديرات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، الذي قدر الناتج المحلي بنحو 405.3 مليار دولار.
وبحسب أحدث تقارير البنك الدولي، ما تزال مصر ضمن الدول الخمس الأولى عالمياً في حجم تحويلات العاملين بالخارج، بفضل أكثر من 14 مليون مصري يعيشون في الخارج، معظمهم في دول الخليج.
وفي تقرير آخر للبنك الدولي (أبريل 2025 – موجز الهجرة والتنمية)، أكد أن التحويلات تسهم في “تحسين الأمن الغذائي، وتوسيع فرص التعليم، وتخفيف الفقر في الريف والمدن”.
هل يستمر زخم تحويلات المغتربين؟
يتوقع صندوق النقد الدولي أن ترتفع تحويلات المصريين إلى 42 مليار دولار سنوياً بحلول 2028، إذا استمرت سياسات استقرار سعر الصرف وتعزيز الثقة في النظام المصرفي.
وتشير البيانات إلى أن أكثر من 60% من العمالة المصرية بالخارج تتواجد في دول مجلس التعاون الخليجي، التي ما تزال تسجل معدلات نمو جيدة بفضل عائدات النفط ومشاريع “رؤية السعودية 2030”.
بدورها، تواصل البنوك المصرية تقديم حوافز لاستقطاب التحويلات، عبر تسهيلات مثل فتح حسابات من خلال البعثات الدبلوماسية، وتعزيز استخدام التطبيقات الرقمية مثل “إنستا باي” و”فودافون كاش”.
أما الحكومة، فطرحت مبادرات تشمل شهادات ادخار بالدولار من أجل جذب المغتربين، مثل تلك التي أطلقها البنك الأهلي المصري وبنك مصر بعائد سنوي يصل إلى 9% خلال 2023.
وفي يناير 2025، أصدرت مصر أول سند دولي مقوم بالدولار منذ أربع سنوات، بقيمة ملياري دولار، ما عزز احتياطي العملات الأجنبية، بحسب رويترز.
طرحت أيضاً هيئة التأمينات خطة لمعاشات المصريين بالخارج، تسمح بالمساهمة بـ 500 دولار سنوياً لمدة خمس سنوات مقابل معاش مستقبلي مضمون.
وفي خطوة محفزة أخرى، قررت الحكومة منح إعفاءات جمركية لاستيراد سيارة واحدة مقابل وديعة دولارية تُرد بعد خمس سنوات بالجنيه المصري. كما أتيح للمصريين في الخارج إعفاء نهائي من التجنيد مقابل رسوم رمزية (حوالي 5 آلاف دولار أو يورو)، وفق بيانات وزارة الهجرة.
وضمن مبادرة “بيت الوطن”، خُصصت وحدات سكنية وأراضٍ للمغتربين بالدولار، بلغت أجمالي حصيلة المرحلة الثامنة بحسب تقرير رسمي من وزارة الإسكان 1.3 مليار دولار تقريبًا.
اقرأ أيضًا:
ما التحديات التي تواجه تحويلات المصريين في الخارج؟
رغم النمو اللافت في التحويلات، ما تزال تحديات قائمة تهدد استدامة هذا الزخم. فالسوق الموازية لتحويل الأموال ما تزال نشطة في بعض الدول، مستفيدة من تقديم أسعار صرف مغرية وسهولة أكبر من البنوك. كما بدأت العملات المشفرة تبرز كقناة غير رسمية تستخدمها فئات محددة، خصوصاً الشباب العاملين في التكنولوجيا، للتحايل على فروق أسعار الصرف أو رسوم التحويل، ما يثير قلق السلطات في ظل ضعف الرقابة وغياب إطار تنظيمي ملزم، بحسب تقارير البنك الدولي ومجموعة العمل المالي.
إلى جانب ذلك، فإن أي تباطؤ اقتصادي في وجهات العمل، لا سيما أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، قد يؤثر سلباً على دخول المصريين بالخارج وبالتالي على تحويلاتهم. وحذر البنك الدولي من حساسية تدفقات التحويلات لأي تغييرات في سياسات الإقامة والعمل أو تقلبات سوق الصرف في دول المهجر، خاصة في الشرق الأوسط وأفريقيا.