شهدت سوق الدين الحكومي المصرية إقبالاً متزايداً من المستثمرين الأجانب في الفترة الأخيرة، مدفوعاً بتراجع معدلات التضخم، واستقرار أسعار الصرف وتعافي جماعي لمؤشرات الاقتصاد الكلي.
اقرأ أيضًا:
بنك الإمارات دبي الوطني مصر يطرح شهادة ادخار ثلاثية بعائد 15.5% سنويًا
وقفزت تدفقات استثمارات الأجانب في أذون الخزانة المحلية المصرية بنحو 10.7 مليار دولار خلال أول 7 أشهر من العام الحالي، لترتفع إلى مستوى قياسي بلغ 42.4 مليار دولار، وفق أحدث بيانات صادرة عن البنك المركزي المصري.
وعزا محللو اقتصاد كلي ومصرفيون هذا الارتفاع في شهية الأجانب للاستثمار في أدوات الدين الحكومي، إلى تعافي أربعة مؤشرات اقتصادية رئيسية بالتزامن، تتضمن استمرار تراجع معدلات التضخم، وانخفاض مخاطر مبادلة الديون، وتحسن التصنيف الائتماني لمصر، فضلاً عن مرونة سعر الصرف.
وأوضح المحللون لـ”العربية Business” أن هذه العوامل، إلى جانب الاستقرار النسبي للتوترات الجيوسياسية في المنطقة، دفعت المستثمرين الأجانب إلى تعزيز رهاناتهم على ما يُعرف بـ”تجارة الفائدة” في السوق المصرية، رغم تراجع أسعار العائد على الجنيه لمرات متتالية خلال العام الحالي.
“تجارة الفائدة” هي استراتيجية مالية يقوم فيها المستثمرون بالاستفادة من فروق أسعار الفائدة بين الدول، وذلك عبر الاقتراض بعملة منخفضة الفائدة ثم استثمار هذه الأموال في عملة أخرى ذات فائدة مرتفعة، بهدف تحقيق أرباح من فارق العائد.
جاذبية الفائدة الحقيقية
وأكد المدير التنفيذي لأسواق النقد والدخل الثابت بشركة الأهلي لإدارة الاستثمارات المالية، محمود نجلة لـ”العربية Business” إن تراجع معدلات الفائدة لم يقلل من جاذبية أدوات الدين الحكومية، مشيراً إلى أن الفائدة الحقيقية على الأذون والسندات ارتفعت إلى نحو 8.5%، ما يجعلها محل اهتمام من المستثمرين الأجانب.
والفائدة الحقيقية هي معدل العائد الذي يحصل عليه المستثمر بعد خصم أثر التضخم من الفائدة الاسمية، أي أنها تعكس القيمة الفعلية للعائد وقدرته الشرائية.
أوضح نجلة أن أسعار الفائدة إحدى المؤشرات التي يهتم بها مستثمرو الأموال الساخنة في الدول الناشئة، ولكن توجد معايير أخرى ذات أهمية كبرى لابد من توافرها لجذب الاستثمارات في الديون.
اتفق معه عضو مجلس إدارة البنك المصري الخليجي، محمد عبد العال، مؤكداً أن معدلات الفائدة الحقيقية في مصر ما زالت مغرية مقارنة بالعديد من الأسواق الأخرى، خاصة مع توقعات استمرار تراجع التضخم.
“ارتفاع معدلات الفائدة الإيجابية على استثمارات الدين في مصر يسمح بإجراء تخفيضات جديدة للعائد مع الحفاظ على جاذبيتها” بحسب عبد العال.
وقال الرئيس التنفيذي لـ “ستاندرد تشارترد مصر”، محمد جاد لـ”العربية Business” إن خفض أسعار الفائدة لن يؤثر سلباً على جاذبية الاستثمار في أذون وسندات الخزانة، حيث يظل ما يُعرف بـ “تجارة الفائدة” في صدارة اهتمامات المستثمرين، مدعومة باستقرار الاقتصاد الكلي ونجاح اختبار قابلية تحويل العملات الأجنبية.
“البنك المركزي المصري يتبع نهجاً حذراً في خفض الفائدة، ما يحافظ على مستويات عائد جذابة ويعزز الثقة في الجنيه المصري” وفقا لجاد.
تراجع المخاطر ومرونة سعر الصرف
وقالت نائب رئيس بنك مصر سابقاً، سهر الدماطي، إن تماسك قيمة الجنيه وتراجع أسعار الفائدة على الدولار عزز من إقبال الأجانب على استثمارات أدوات الدين المحلية.
“هدوء التوترات الجيوسياسية له أثر إيجابي واضح على ثقة المستثمرين الأجانب في استثمارات السندات المصرية، خاصة بعد توقيع اتفاق غزة” بحسب الدماطي.
وأكدت أن تراجع مؤشر مخاطر مبادلة الديون ساهم أيضاً في رفع التصنيف الائتماني لمصر وأعطى رسالة طمأنة للمستثمرين الأجانب في السوق المصرية وأدواتها الاستثمارية.
أشار عبد العال إلى تعافي عدة مؤشرات اقتصادية في توقيت متزامن، وهو ما رفع شهية المستثمرين الأجانب للتوسع في استثمارات أذون وسندات الخزانة المحلية.
ذكر أن أبرز مؤشرات التعافي تتضمن ارتفاع التصنيف الائتماني وتراجع مخاطر مبادلة الديون بجانب مرونة سعر الصرف، موضحاً أن تحسن هيكل الاقتصاد الكلي دعم الثقة في استثمارات ديون الدولة.
وعزا عبد العال استمرار زيادة أسعار العائد نسبياً على أدوات الدين الحكومي إلى ارتفاع طلبات وزارة المالية لتأمين متطلبات مستقبلية بجانب تغطية الاستحقاقات القائمة.
توسع البنوك في توظيفات الدين الحكومي
أكد المدير التنفيذي لأسواق النقد والدخل الثابت بشركة الأهلي لإدارة الاستثمارات المالية، محمود نجلة، أن تراجع الفائدة على الجنيه بنحو 625 نقطة أساس منذ بداية أبريل الماضي دفع البنوك إلى التوسع في توظيف فوائض السيولة لديها في أدوات الدين الحكومية، وذلك لتلبية الطلب المتزايد على الائتمان، بدلًا من توجيهها إلى الوديعة الأسبوعية التي يتم تسعيرها وفقًا لآلية الكوريدور.
وأشار نجلة إلى أن البنوك قلصت تدريجياً توظيفاتها في الوديعة الأسبوعية منذ أبريل، حيث تراوحت خلال الأسابيع الأخيرة بين 146 و227 مليار جنيه، مقارنة بمستويات تجاوزت 1.2 تريليون جنيه قبل تطبيق البنك المركزي سياسة التيسير النقدي.
في حين ارتفعت محفظة الأوراق المالية واستثمارات البنوك في أذون الخزانة بقيمة 454 مليار جنيه خلال النصف الأول من العام الجاري، ليصل إلى 7.113 تريليون جنيه بنهاية يونيو 2025، مقابل نحو 6.659 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر الماضي، بحسب أحدث بيانات عن البنك المركزي.
عزا البنك المركزي المصري زيادة الاستثمارات في أدوات الدين إلى تحسن المعنويات في الأسواق تجاه المخاطر في مصر، حيث ارتفعت الاستثمارات في الأوراق المالية الحكومية طويلة الأجل، بما في ذلك السندات ثابتة العائد لأجل سنوات التي أعيد طرحها في الآونة الأخيرة.
اقرأ أيضًا:
وأوضح محمد عبد العال، عضو مجلس إدارة البنك المصري الخليجي، أن انخفاض العائد على العملية الرئيسية في البنك المركزي رفع من طلبات البنوك على سندات وأذون الخزانة، كما أن قصر أجل الوديعة الأسبوعية وتغيرات العائد السريعة عززا اهتمام البنوك بتوجيه فوائض السيولة نحو أوراق الدين الحكومية الأطول أجلًا، باعتبارها أكثر استقراراً عائداً.
ووفق أحدث عطاءات طرحتها وزارة المالية، تتراوح أسعار العائد على أذون الخزانة المحلية بين 25.4% و26.4% بحسب أجل كل إصدار، ما يعكس استمرار جاذبية هذه الأدوات للمستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء.
